مؤتمر برلين - Conference of Berlin 1884-1885

بحلول أواخر القرن الخامس عشر بدأت ملامح التواجد الأوروبي متمثلة في الكشوفات الجغرافية ووصول البرتغاليين إلى منطقة رأس الرجاء الصالح سنة 1487، وفي ثمانينات القرن التاسع عشر زاد الاهتمام الأوروبي بأفريقيا بشكل كبير خاصة مع اكتشاف هنري مورتون ستانلي Henry Morton Stanley لحوض نهر الكونغو (1874-1877) الذي أدى إلى إزالة الجزء الأخير من الأرض المجهولة من خرائط القارة. وفي ظل أطماع ملك بلجيكا ليوبولد الثاني LeopoldII وباقي الدول الأوروبية الأخرى خاصة بريطانيا، فرنسا ،ألمانيا، البرتغال، إسبانيا بدأ عهد ما يعرف بالتدافع على أفريقيا Scramble for Africa، ولتنظيم هذا التدافع بين الدول الأوروبية وتقسيم القارة تم عقد مؤتمر برلين عام 1884 والذي أضفى طابعاً رسمياً على هذا التدافع.

وفي هذا السياق سيحاول المقال تسليط الضوء على هذا المؤتمر وفهم حيثياته.

نبذة عن المؤتمر:

مؤتمر برلين ويعرف أيضا بــــــ "مؤتمر الكونغو" - نسبة لحوض الكونغو- هو مؤتمر تم عقده بالعاصمة الألمانية برلين عام 1884- 1885، بدعوة من المستشار الألماني فون بسمارك Otto Von Bismarck وقد كان الهدف من هذا المؤتمر تنظيم الاستعمار الأوروبي والتجارة في أفريقيا إبان فترة الإمبريالية الجديدة.

وقد شاركت مجموعة من الدول في المؤتمر، ووقعت فيما بعد على قانون برلين، هذه الدول هي: الإمبراطورية الألمانية، وهولندا، والولايات المتحدة، والنمسا، والمجر، والجمهورية الفرنسية الثالثة، ومملكة إسبانيا، والدنمارك، والإمبراطورية الروسية، وبلجيكا، والدولة العثمانية، ومملكة إيطاليا، والبرتغال.

وقد كانت خمسة من هذه الدول أكثر اهتماما بالقارة الأفريقية وهي: ألمانيا، بريطانيا، البرتغال، فرنسا، بلجيكا.

ظروف انعقاد المؤتمر:

سبق انعقاد مؤتمر برلين تطور مجموعة من الأحداث التي لها علاقات مباشرة وغير مباشرة والتي أفضت في النهاية إلى هذا المؤتمر، فقد عرفت فترة الثمانينات اهتمام متزايد بالقارة الأفريقية وتنافسا عليها، وفي ظل هذه التطورات غيّر المستشار بسمارك رأيه بخصوص عدم جدوى المستعمرات وأنها تسبب تشكل أضرار أكثر من منافع لألمانيا وتقبل فكرة الانضمام إلى قائمة الدول المتنافسة على أفريقيا - خاصة وأن العديد من هذه الدول كانت قد حصلت على امتيازات تجارية ومناطق نفوذ في القارة - ،حيث يرى المؤرخون سبب تغيير رأيه يرجع إلى بداية موجات هجرة الألمانيين إلى العالم الجديد بصفة عامة وأمريكا بصفة خاصة، ما دفع الدولة إلى التفكير بضرورة إنشاء مستعمرات لهم بأفريقيا، إضافة إلى ذلك سعت ألمانيا إلى حصولها المواد الخام لصناعاتها وذلك من خلال حصولها على مستعمرات غنية بمختلف الموارد الطبيعية والمعدنية .

بسبب هذا التنافس الأوروبي على المستعمرات، أعلنت ألمانيا عن إطلاق حملات استكشافية خاصة بها، في ظل كل هذه التطورات دعا المستشار الألماني بسمارك ممثلي 14 عام 1884 للمشاركة في مؤتمر برلين بهدف وضع سياسة مشتركة بشأن القارة الأفريقية، وتقسيم "الكعكة الأفريقية".

أسباب انعقاد المؤتمر:

تنقسم أسباب انعقاد مؤتمر برلين- حسب الأستاذ عبد القادر خليفي - إلى أسباب مباشرة وأسباب غير مباشرة، وفيما يلي هذه الأسباب:

1 - أسباب مباشرة:

يرجع السبب المباشر لعقد مؤتمر برلين إلى أطماع ملك بلجيكا ليوبولد الثاني LeopoldII حيث كانت له طموحات توسعية واستعمارية في أفريقيا منذ 1860 إلا أنه لم يجد دعما من أي جهة بلجيكية، بسبب عدم كفاية موارد البلد لسد نفقات الحملات الموجهة لكل من أفريقيا وآسيا، مما جعله يعتمد على نفسه في تحقيق حلمه وواصل محاولاته بعد أن تولى العرش عام 1865.

2- أسباب غير مباشرة:

- التنافس والصراع بين الدول الأوروبية حول القارة الأفريقية

- إضافة إلى التنافس بين الدول الأوروبية هناك سبب آخر جعل من انعقاد المؤتمر ضرورة عند الدول الأوروبية الكبرى وأولها ألمانيا، وهي المعاهدة البريطانية البرتغالية، فقد نبعت فكرة المؤتمر بالأساس للقضاء على هذه المعاهدة. 

- تطبيق نظريات التمييز العنصري لسيادة الرجل الأبيض.

- سعي الأوروبيين إلى تحقيق طموحات توسعية.

قرارات المؤتمر:

بعد انتهاء المؤتمر صدرت قراراته على شكل وثيقة تضمنت 38 مادة، أهم هذه المواد ما يلي:

- شكّلت منطقة الكونغو واحدة من القضايا الرئيسية للمؤتمر،حيث تم إعطاء المنظمة الدولية (الرابطة الدولية للكونغو أو جمعية الكونغو الدولية) التي يرأسها الملك البلجيكي ليوبولد الثاني الحق في امتلاك أراضي حوض الكونغو مع ضمان حرية التجارة في المنطقة.

- حرية الملاحة في حوض النيجر.

- العمل على القضاء على تجارة الرقيق وإلغائها.

- عدم ضم أي منطقة من مناطق القارة ووضعها تحت الحماية دون احتلال فعلي للمنطقة مع إقامة حكومة وطنية فيها، إضافة إلى ضرورة إعلام الدول الأوروبية الموقّعة على الاتفاق بهذا الغزو.

- ضمان حياد إقليم حوض الكونغو وحرية التجارة والملاحة فيه.

- يحق لكل دولة سبق لها الارتباط باتفاقيات مع السكان الوطنيين احتكار التجارة معهم دون تدخل أي دولة أخرى.

نتائج وانعكاسات المؤتمر:

بعد انعقاد المؤتمر، كان للبعثات العسكرية الأسبقية على الاستكشافات في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد لعب المؤتمر دوراً متسارعاً في المطالبات والملكية الإقليمية، مما أدى إلى ترسيم الحدود الاستعمارية.

وقد خلص عابد سفيان في مقاله " مؤتمر برلين الثاني (1884-1885) وانعكاساته على القارة الأفريقية" إلى النتائج التالية:

- تغيرت ملامح القارة الأفريقية بعد المؤتمر وأصبحت على الشكل التالي:

1- بعد توقيع اتفاقية برلين أعلن ملك بلجيكا ليوبولد عن قيام دولة الكونغو الحرة، حيث أصبح الكونغو البلجيكي أول المستعمرات الداخلية التي استولت عليها القوى الأوروبية.

- تحصلت ألمانيا على مستعمرات كلها في جنوب غرب أفريقيا والكاميرون وتوغو وأفريقيا الشرقية الألمانية.

2- كان لفرنسا وبريطانيا (بسب أسبقيتهما في استعمار أفريقيا وقوة أسطولهما البحري) الأفضلية في الحصول على أكبر نصيب من "الكعكة" الأفريقية. فقد توسعت فرنسا (التي كانت تحتل الجزائر وتونس) في السنغال ومنطقة الكونغو الفرنسية والصومال الفرنسي ومدغشقر وساحل العاج. أما بريطانيا فبعد احتلالها مصر عام 1882 وإعلانها الحماية على الصومال عام 1884، ضمّت بوتسوانا وجنوب أفريقيا ونيجيريا وأفريقيا الشرقية البريطانية إضافة إلى التوسع في غينيا وسيراليون وساحل الذهب، كما أعلنت حمايتها على أوغندا عام 1894، ثم بعد ذلك بسطت نفوذها على السودان باسم مصر.

3- توسعت البرتغال في غينيا البرتغالية وأنغولا وأفريقيا الشرقية البرتغالية.

في الأخير يمكن القول إن هذا المؤتمر أثّر تأثيرا كبيرا على دول القارة الأفريقية وامتد هذا التأثير لفترة ما بعد استقلال هذه الدول، فتقسيم القارة الأفريقية بين الدول الأوروبية أدى إلى إنشاء دول مصطنعة تفتقر إلى أدنى عوامل التماسك والاندماج الثقافي أو اللغوي أو العرقي التي يرى العديد من الباحثين أنها سبب في حدوث النزاعات الأهلية إضافة إلى النزاعات الحدودية بين دول القارة الأفريقية.